عسير: طبيعة ساحرة وتراث عريق
تعتبر منطقة عسير في جنوب غرب المملكة العربية السعودية وجهة سياحية متكاملة تجمع بين جمال الطبيعة وعمق التاريخ والثقافة. تتميز عسير بتضاريسها المتنوعة من قمم شاهقة تغطيها الغابات الكثيفة، إلى قرى تراثية وقلاع قديمة وأسواق شعبية تعكس حياة المجتمع المحلي.
الطبيعة في عسير: قمم وجبال وغابات ساحرة
تقع منطقة عسير على قمم جبال السروات، وتضم أعلى المرتفعات الجبلية في المملكة. فعلى جبل تهلل ترتفع قمة السودة الشهيرة إلى نحو 3015 مترًا عن سطح البحر، وهي أعلى قمة في السعودية. يغطي هذه الجبال غطاء أخضر كثيف من أشجار العرعر مكوّنًا غابات طبيعية ساحرة. في فصل الصيف، يسود طقس لطيف بارد على المرتفعات، حتى أن الضباب يعانق القمم معظم أوقات السنة مما جعل مدينة النماص تُلقّب بـ”مدينة الضباب”. أما في الشتاء، فقد تتساقط الثلوج على أعالي الجبال مثل السودة، في مشهد نادر بالمملكة.
الفعاليات والمهرجانات: صيف عسير وفعالياته المميزة
تزدهر منطقة عسير بالفعاليات والمهرجانات السياحية، لاسيما في موسم الصيف حين يصبح مناخ الجبال “باردًا ممطر صيفًا” كما يقول شعار موسم عسير. في السنوات الأخيرة، أطلقت هيئة الترفيه ووزارة الثقافة مبادرات جاذبة جعلت عسير محط أنظار السياح من داخل المملكة وخارجها خلال العطل والمواسم.
الأماكن الأثرية والتاريخية: قرى تراثية وقلاع وأسواق عريقة
تزخر منطقة عسير بإرث تاريخي عريق يتجلى في قرى أثرية وقلاع قديمة وأسواق شعبية لا تزال تنبض بالحياة. عند زيارتك لهذه المعالم ستشعر وكأنك تسافر عبر الزمن إلى عصور مضت، وترى أمامك مشاهد من تاريخ وحضارة المنطقة.
على منحدرات جبال عسير الغربية تقع قرية رجال ألمع الشهيرة، التي تحولت إلى متحف مفتوح للتاريخ والثقافة. يبلغ عمر هذه القرية أكثر من 900 عام، وقد كانت قديمًا محطة مهمة على طريق القوافل التجارية والحجاج بين جبال السروات وسهول تهامة. تتألف القرية من حوالي 60 مبنى حجريًا تراثيًا متراصًا، بُنيت من الحجر الطبيعي والطين والأخشاب وفق طراز معماري فريد. تتميز بيوتها متعددة الطوابق بنوافذها البيضاء وأبوابها الخشبية المنقوشة بالزخارف، مما أكسبها لقب “اللؤلؤة المعمارية” بين قمم عسير.
لا تكتمل الرحلة التاريخية في عسير دون المرور بالأسواق الشعبية العتيقة التي كانت ولا تزال شريان الحياة الاقتصادية والاجتماعية. أشهرها على الإطلاق سوق الثلاثاء الشعبي في أبها، وقد تطوّر عبر الزمن من مجرد يوم للسوق الأسبوعي إلى سوق دائم طيلة أيام الأسبوع، لكنه يشهد ذروة نشاطه يوم الثلاثاء من كل أسبوع. يمكنك أن تجد هناك أجود أنواع عسل عسير الشهير بأنواعه، والحلي والمشغولات الفضية اليدوية التي تبدعها أنامل الحرفيين، ستلفت انتباهك أيضًا الأزياء الشعبية المعروضة، خصوصًا الثوب العسيري المطرّز بخيوط ملونة زاهية والمنديل الأصفر التقليدي الذي كانت تتوشح به النساء قديمًا.

التجارب الثقافية: عادات وتقاليد تعكس أصالة عسير
ورث أهل عسير عن أجدادهم مهارات حرفية وفنونًا بصرية أصبحت جزءًا من هويتهم الثقافية. من أبرز تلك الفنون فن القَط العسيري، وهو فن نقش وزخرفة جدران المنازل من الداخل برسوم هندسية ملونة مبهجة. تقليديًا، تتولى نساء عسير تزيين المجالس بهذا الفن باستخدام الأصباغ الطبيعية والأشكال الهندسية المستوحاة من البيئة، مثل أشكال الأرياش والمحاريب وغيرها. وقد حظي القط العسيري باهتمام عالمي عندما تم إدراجه في عام 2017م ضمن قائمة اليونسكو للتراث الثقافي غير المادي للبشرية. اليوم يمكن للزائر مشاهدة نماذج رائعة من القط العسيري في قرية المفتاحة الفنية بأبها، حيث خُصصت جداريات تعرض هذا الفن بأبهى صورة، كما يمكن زيارة متحف القط العسيري للتعرف على تاريخ هذا الفن وأبرز فناناته.
